[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
بقلم: محمد غلامابي.: أعتَرِفْ عزيزي القارئ إبْتداءً أنّ هذا المقال وبصيغته الحالية قد تأخّر كثيراً، خاصّةً وأنّ مسيرة الفنان محمود عبد العزيز الغنائية فاقت ربع القرن مرّت بمنعرجاتٍ عديدة، كانت في كلِّ مرةٍ تحتاج إلى الكتابةِ عنْها وحولِها،
دونَ الإلتفاتِ للإتهاماتِ التي يُمكنْ أنْ تطالَ مَنْ ...يكتبَ عنْ تلك المسيرةِ، ذلك أنه لنْ يخلو ـ بالضرورةِ ـ كاتباً من تشريحِ وجهات نظره لدى مجموعات القراء، سواءٌ أكان القراء من أصحاب المراكز والمصالح المتشابكة، أو حتى (الحقانيين)، لهذا فإنني أمضي دون الإلتفات لهواة التحليل البعيد عن الموضوعية، الذين ينصرفون عن الموضوع والفكرة الرئيسة، وهذه ـ الوقفة القصيرة ـ ضرورية لتعريف الذين يقفون من الرأي بموضوعية أو غير موضوعية، ولا أطلب هنا الإتفاق مع رأيي، لكنني أطلب الإختلاف أو الإتفاق معه بموضوعية.
أستند في هذا المقال بداية على فكرة جوهرية وأساسية تقول (إن الفنان محمود عبد العزيز يتعرَّض لحالات تشويه متعمَّدة لمسيرته الغنائية أو الشخصية، تهدف تلك الحملات إلى تحطيم هذه الظاهرة الفنية). في أحايين كثيرة، وـ ودون أدنى خجل ـ تسعى ذات المحاولات إلى توجيهه، وإبتزازه، واستثماره، في أحايين أخرى، وأستند في هذا الإدعاء على التاريخ الماضي والحاضر للفنان محمود، ولشخصيته المتقلبة في ظاهرها، والمتسقة في باطنها، وكذلك أعتمدت على النظر لأساليب التشويه، والتوجيه التي اتبعت معه كفنان، وليس آخرها بالطبع ما حدث في افتتاح ما عرف بـ(أماسي أم دُر) التي نظَّمتها وزارة الثقافة الاتحادية، واختارت أن يكون مفتتحها الفنان محمود عبد العزيز، كإستجداء لهذا الفنان وجمهوره لتجميل تلك الليالي، وهو الفنان الذي سبق وأن تخطته ليالي الخرطوم الموسيقية بالمتحف القومي، وهذا باب سيأتي في موضعه، غير أن اللافت في الحالة الأخيرة ـ حالة الإستجداء الأمدرمانية ـ ظهور محمود للترويج لمنظمة السموأل خلف الله الجديدة (شباب البلد)، والتي أُخْتِطفَت فكرتها بالأساس من محمود، لأنه لا يحسن الترويج لأفكاره، أو أفكار منظمة محبيه (محمود في القلب) لتحط فكرة (شباب البلد) رحالها بالوزارة الاتحادية تحت الرعاية الكريمة للوزير السموأل خلف الله، هذا في الوقت الذي تشكو فيه المنظمات الشبيهة لطوب الأرض من الفقر والمسغبة، وتَمنُّع وزارة الثقافة بحجّة أنّها وزارة للتخطيط لا الدعم الفئوي للمنظمات، بينما تتمتع (منظمة شباب البلد) وربيبتها (مؤسسة أروقة للثقافة والعلوم) بالعناية والكريمة والرسمية، فياعجبي!!! وهذا باب عريض أرجو أن يسعني الوقت لأعود إليه في مقال منفصل.. لكنني أرجع لأقول أنني أستند في مسألة التشويه والتوجيه التي يتعرَّض لها الفنان محمود عبد العزيز على أمور ثلاثة تفصيلها عندي كالأتي:
الأمر الأول: ماضٍ ملئ بالتشويه والتحدي.
ودون مبالغة أقول لو أن فناناً تعرَّض لحملات تشويه مثلما تعرّض لها محمود عبد العزيز، لفكَّر ربما في مغادرة الحياة نفسها، وتركها بالكلية لمن يريدون صياغتها وفق ما يشتهون! وهنا أتجه لأستند لتاريخ بداية محمود عبد العزيز كفنان ظهر على السطح بقوة تسعينيات القرن الماضي، ولسوء حظه أو لحسنه ـ لا أدري ـ تزامن هذا الظهور الواضح مع صعود فكر التطرّف ونفي الآخر وأفكاره بل وسحله شخصياً إن اقتضى الأمر كما حدث مع كثيرين، لكن محمود اختار أن يمضي في طريق الفن وفق ما يحب هو، وبطريقته البسيطة القوية، أقول (البسيطة والقوية) معاً لأن محمود لم يكن قد اختار أوان المعركة أو زمانها مع الفكر المتطرِّف، لكنه اختار وببساطة أن يكون فناناً فقط لا غير، وصبر على ذلك الاختيار، وقبل خوض المعركة التي نشبت بينه وذلك الفكر المتطرِّف، أو تلك المعركة التي اختار هذا الفكر خوضها مع الفنون عموماً، ومحمود كذلك دون أن أقدمه هنا في صورة البطل التي يستحقها، غير أنني أرى أنه من الضرورة بمكان سوْق الأسباب التي أدت لنشوب هذه المعركة المتوهمة، وعكس صورة مقربة عن الحالة التي كانت عليها الساحة الفنية في تلك الفترة التي ظهر فيها محمود عبد العزيز كفنان، وهي بداية تسعينيات القرن الماضي، فقد حاول ذلك الفكر المتطرِّف السيطرة على كافة مناحي الحياة (ثقافية، فنية، اجتماعية، سياسية، بل ودينية)، حمل ذلك الفكر تصورات ذهنية (جاهزة) سعى بكل جد واجتهاد شديديْن لتطبيقها على الحياة العامة، فعمل في سبيل ذلك على إغلاق المجتمع، ومحاولة إعادة صياغته عبر ما عُرف بـ(المشروع الحضاري)، والتسمية هنا ـ كما هو واضح ـ تُعبِّر عن تلك التصورات، أما وأنه (مشروع) فهذا يعني تفصيلات كثيرة دُرِست من لدن المؤمنين بجدواها، وأما كونه (حضاري) فهذه تُفصح أكثر عن كُنهه و حقيقته، فهو حضاري بمعنى (إعادة السودانيين إلى حضارة موجودة فقط في أذهان أصحابها) أو بعبارة مباشرة (إعادة صياغة الحياة وفق تصورات دينية إسلامية تخص من آمنوا بهكذا مشروع)، وأرجو أن ألفت النظر هنا ـ وتحسباً لأولئك المتقعِّرون والمتنطِّعون ـ أنه مضى عهد التخويف باسم الدين، وأنه لا يستطيع أو يملك أحداً الحق في نصب محاكم لتفتيش الضمير، وأن الدين تصورات تحتمل الإختلاف، وإلا لما تعددت الآراء والفتاوى في قضية واحدة، ونهضت مذاهب مختلفة لدى المسلمين، ودون أن أفقد الخيط الذي أمسكه فإن واحدة من خصائص المشروع الحضاري هي الشك في تديُّن الآخرين، فالذي ليس معهم شيوعي علماني، أقصد هنا فهمهم هم دون أن يُفهَم أنني أتهمّ الشيوعية والعلمانية، لأنها خيارات حرة وديمقراطية لمن آمن بها، وحتي يكون الفنان محمود عبد العزيز قريباً من هذا الخيط، فإن الحديث هنا يتركز عن المناخ الذي بزغ فيه نجمه كفنان في عالم الغناء، ومحمود كما أسلفت لم يكن من معارضي هذا المشروع، أعني لم ينطلق من منصته هو ليعارضه، بل أن المشروع كفاه ذلك، وبحث ـ بطبيعته ـ عن عداوات بينه ومحمود وسرعان ما وجد لها مسوِّغات انحصرت برأيي في سببين:
أ : السبب الأول: يتصل بطبيعة المشروع نفسه، فهو مشروع (فضفاض) لا يعرف حتى الذين وضعوه أو أطلقوا عليه التسمية (المشروع الحضاري) رأساً أو رجلين، وهم معذورون في ذلك لأن (الظلام نقيض النور)، فهم من ناحية لا يقفون على أرض صلبة تمكِّنهم من الدفاع عن أو تقديم مولودهم هذا للناس، لأنه مولود خرج لحياة السودانيين بلا لون ولا طعم ولا رائحة، ومن هنا جاءت تسميته هلامية (المشروع الحضاري)، حاولوا من خلال هكذا مشروع صياغة حياة السودانيين التي عاشوها ووجدوا فيها وطوَّروها وفق مقتضى الحياة ونواميس الكون وديناميكية التغيير عبر آلاف السنين، أرادوا بمشروعهم هذا الإصطدام بهذا الإرث التاريخي الطويل، فهزمهم محمود دون أن تكون لديه سوى آلة العزيمة والإصرار حين استخدمهما ببساطة، إذن.. هنا طبيعة المشروع الحضاري وتركيبته الأساسية كانت السبب في العداوة بينه والفنان محمود عبد العزيز.
ب: السبب الثاني: إذا كانت طبيعة المشروع الحضاري هي السبب في العداوة بينه وبين محمود عبد العزيز، فإنّ السبب الثاني للعداوة هي الحياة الخاصة لمحمود، وهو سبب وثيق الصلة بالأول، والغريب هنا أن المشروع يعرف الطبيعة الخاصة لحياة محمود عبد العزيز، لكنه وفي مفارقة لطبيعة المشروع الدينية يعمل على تشويه صورة محمود بالتجسُّس والتحسُّس عليه حين لا يكون في حاجة لمجهوداته، أو حين يريد أحد الجنرالات في النظام تصفية حسابات خاصة مع محمود من جهته أو من جهة آخرين، لكنهم يغضون الطرف عن ذات الحياة حين يريدون استثمار محمود عبد العزيز وجماهيريته كما حدث مؤخراً بالمسرح القومي بأم درمان في افتتاح ما عُرف بأماسي أم دُر الغنائية. إذن..المشروع الحضاري يضع هنا معياراً وحيداً للأخلاق يضع وصفته هو، معيار يحرِّكه ويُفعِّله في تصفية خلافاته مع خصومه، وإن لم يجدِ التجريم وإدخال المخالفين (للحظيرة الإنقاذية) فإن الطريق السالك والسهل هو التشويه، وقد استعرت هذه الحملات في بدايات عهد محمود، وكنا شهوداً على جانب من تلك الحملات، ففي تلك الفترة فعَّل المشروع آليات التجسُّس والتحسُّس على محمود، وأصدر في حقه أحكاماً متفاوته بالسجن، حتى أن محمود وفي تحدٍ عميق لكسر إرادته كان يخرج من السجن ليغني ثم يعود إليه مرة أخرى، أنظر بالله عليك إلى هذه الصورة المشرقة التي لا يُدركها بالطبع دعاة الحياة الجديدة للسودانيين، أليست في هذه الصورة معنى للحياة في أعلى وأغلى صورها؟ ألا تجد في هذا الخروج للغناء معنىً عند الفنان محمد الأمين حين غنى قديماً:
مساجينك نغرِّد في زنازينك
عصافيراً مجرَّحة بي سكاكينك
نغرد ونحن في أسرك
وترجف إنت في قصرك
محمود عبد العزيز سادتي صمد أمام الحملة الكبيرة التي قادتها الصحافة الصفراء ضده في ذلك الوقت، والتي عملت ما وسعتها القدرة على تقديمه في صورة مشوَّهة أمام الناس، فملأت الرسومات المسيئة له الصحف الصفراء، حتى وصلت الوقاحة إلى رسمه في شكل "حمار" ممسكاً بـ(مايك)، وأطلقت عليه صفات تحط من كرامته الإنسانية مثل "المطرب هناق"، فأي ترصُّد وتشويه أكثر من هذا؟! و لم يكن ذنب محمود سوى أنه أراد أن يكون فناناً يغني فحسب، أراد أن يغني فقط لـ:
الزول أب عيون كحيلة *** جا ماري بي هنا
لمساتو لفتتاتو **** توحي لي أنا
ورفض محمود إعادة صياغته وفق تصورات المشروع الحضاري آنذاك ليغني (للطاغية الأمريكان) ـ أعداء الأمس أحباب اليوم ـ أو إلى (الحور العين) كيفما تشاء وأينما تقف، رفض محمود ذلك دون أن يكون منطلقه في ذلك أرضية أيدلوجية أو فكرية، هو يريد أن يغني للحب والناس والحياة، لا للكره وإزهاق الأرواح، فجرّ عليه هذا الموقف العداوات والتضييق، ومُنع من إصدار الألبومات الغنائية لأكثر من عامين، حتى غني لهم (النار ولعت بي كفي بطفيها)، وهي أغنية تراثية، لكنها تتسق في ذلك الوقت والطبيعة المتهوِّرة والموتورة العاملة على نفي الآخر وزهق روحه كذلك، تلك الطبيعة التي وصل بها الغلو والتطرُّف إلى حد (أراقة كل الدماء) في تناقض مع الطبيعة البشرية والإنسانية في جنحها للسلم والأمن،،،
إذن.. المشروع الحضاري لم يعدم الحيلة والوسيلة في خلق عداوات له مع الجميع وليس محمود عبد العزيز فقط، ولن تنسى الذاكرة لهذا الفكر المتطرِّف موقفه من الغناء بشكل عام، حيث أوقف جهازي الإذاعة والتلفزيون التسجيلات الغنائية، حتى أن شاعراً مثل الدكتور السر دوليب صاحب (مسامحك يا حبيبي) للراحل عثمان حسين، وعضو لجنة إجازة النصوص التي قامت بالأساس في ذلك الوقت لكسر رقاب الأغاني وتوقيفها، قد أعترف لي في حوار قديم لي معه يعود للعام 2007م بصحيفة (السوداني) أن إيقاف تسجيل الأغنيات في ذلك الوقت ـ بداية التسعينيات ـ قد أضرَّ بالأغنية السودانية ضرراً بليغاً، وجعل أغنيات مثل (الجلابية البيضا ومكوية) وشبيهاتها تتسيَّد الساحة الغنائية، لكن ورغم حملات التشويه المسعورة التي تعرَّض لها الفنان محمود عبد العزيز ظل يتقدم بثبات، وهو في تقدُّمه وثباته هذا لكأنه يحقق مقولة (الثقافة لا تموت) مهما واجهت الخنق والحصار والعداوة. وأعني هنا (ثقافة الشعوب) التي أنتجتها عبر تراكم خبراتها وحياتها الممتدة عبر آلاف السنين، ثقافات مثلت وتُمثل خبرات الشعوب في فنونها وآدابها وغنائها وموسيقاها، كيف بالله عليكم لجماعة تنسل بمشروع "غرايبي" ومغترباً عن تلك الخبرات يمحوها هكذا؟ لا لشيء سوى أنه يملك السلطة والثروة والجبروت؟!! أليس من سخريات القدر أن تكون الثقافة التي (تقود الحياة) اليوم شعاراً لا ممارسة هي ذات الثقافة التي حاولت خنق ثقافات السودانيين ولا تزال لتسمح بثقافة أحادية في النمو والازدهار بداية التسعينيات؟!
الأمر الثاني: حاضر متقلب بين التشويه والتوجيه
أيها السادة أريد أن أقول لكم إن الذاكرة لا تنسى، والتاريخ سجَّل ويسجِّل كل صغيرة وكبيرة، عينه لا تنام، وفمه لا يعرف التثاؤب، لذلك فإن حقائق التشويه الأولية التي تعرَّض لها محمود حاضرة لا يمكن نسيانها، وكأن الولوج لعالم محمود ومحاولات التصالح المؤقته معه تنسف كل ذلك الماضي بكل تشوهاته التي قُلتُ لكم بها، غير أن المرحلة الثانية ـ إن جاز هذا التصنيف المرحلي ـ هي مرحلة محاولات التوجيه لمحمود كفنان حقَّق جماهيرية كبيرة تفوق أقرانه ومن سبقوه، غير أن المنهج الذي اتبعوه في الاقتراب والابتعاد عن محمود ظل كما هو دون تغيير. فهم إن احتاجوا جهوده اقتربوا منه، وإن فقدوها عملوا على تشويهه! فأما محاولات التوجيه فسببها:
أ: الكاريزما: حيث يتمتع محمود عبد العزيز بكاريزما كبيرة، فهو شخصية بسيطة جداً، لكنها في ذات الوقت قوية وعنيدة حد القوة والعناد، وربما كان ذلك هو مدخل التميُّز في هذه الشحصية، فالذين يقتربون منه يجدونه أكثر من شخص عادٍ يحب الحياة ويلهو معها، والبعيدين عنه يجدون فيه شخصية متقلِّبة المزاج، عنيد الفكرة، شديد التوهان، لكن كل ذلك في ظني يصب في صالح وصفه بـ(الشخص الكاريزما)، وإلا قولوا لي هل تجدون فناناً كبيراً أو صغيراً، شاباً أو شيخاً يتبعه جمهور شرس يسعى لمجرد ملامسته عقب نهاية حفلاته؟..!!، لهذا ولأنهم ـ أي أصحاب المشروع الحضاري ـ يدركون هذه الحقيقة فإنهم يسعون إليه بجد لتحقيق أهدافهم التي عجز فنانو (البلاط السلطاني) من تحقيقها.
ب : الجماهيرية: وأسألوا أصحاب الأماكن التي تُقام فيها الحفلات مثل (نادي الضباط، التنس، المكتبة القبطية، إستاد ودنوباوي ...الخ) اسألوهم عن من هو الفنان الذي يطل عليه أكبر جمهور؟ فستكون إجاباتهم هو محمود عبد العزيز، وقد حاولوا من قبل الفصل بين محمود وجمهوره عبر منعه من الحفلات العامة في تلك المناطق، وحاولوا بعد ذلك صنع فنانين متوهمين، غير أن محمود حين عاد للغناء كان أكثر جماهيرية من قبل، حيث تواصل جمهوره مستمعاً لأغنياته عبر الالبومات ومواقع الإنترنت التي أُنشئت خصيصاً له، إذن.. فخَطْب وُد محمود هو في واقع الحال محاولة لخَطْب ود جماهيره الكبيرة، لكنني ظللت أقول ولن أمل القول أن جماهير محمود تتعامل معه كفنان يُمتعها بالغناء، ولن تسمح له ولها بأن تراه في أي موقع آخر.
ودعوني أن أمرَّ سريعا في هذه المقالة على صور من التوجيه والتشويه في الحاضر القريب:
1 ـ إذاعة الكوثر
صحيح أن محمود عبد العزيز مثله كبقية السودانيين يحمل محبة خاصة للنبي (صلى الله عليه وسلم)، لكنه حين بدأ بالكوثر كانت المحاولة في بدايتها محاولة لاستثمار جماهيرية فنان مثل محمود لجذب المستمعين للإذاعة الوليدة في ذلك الوقت 2006م، فعمل على قيادة قسم الدراما بالإذاعة، بل وكان يقدِّم برامج على الهواء، وقام بتسجيل العديد من المدائح والأناشيد الدينية، لكنه لم يسلم بعد كل ذلك من الملاحقات حين تنقضي الحاجة منه.
2 ـ قناة ساهور: وما حدث في الكوثر تكرر في ساهور، حيث أن محمود قام بعمل العديد من نماذج المديح النبوي، وشارك في العديد من الفعاليات التي أقامتها قناة ساهور، لكنه كذلك يتعرَّض للملاحقة بعد قضاء الحاجة منه.
3 ـ الانتخابات: وكدليل ساطع على أن محمود بداخله فنان فقط، فقد ظهر في المرة الأولى مناصراً للحركة الشعبية، ثم مناصراً للبشير في حملته الرئاسية، ولم يتورَّع أصحاب المشروع من استغلاله وتوجيهه في فترة الانتخابات الرئاسية التي جرت في أبريل من العام الماضي 2010م، في محولة للإستفادة من جماهيريته وكاريزميته، غاضين الطرف مرة أخرى عنه، وعن حياته الخاصة، لكنه وقبل أن تمر الانتخابات أخرجوا صورة له وجدت طريقها للشبكة العنكبوتية وهو يحاكم بمحكمة الفاشر، وكيف تضاربت الروايات حول تلك المحاكمة، لكن الراجح هو التعارض الذي نشأ بين المشروع الحضاري ومحمود في تلك المدينة، ليتحوَّل محمود سريعاً من فنان يغني إلى مطلوب للعدالة.. فتأمل!!
4 ـ الناشئين: وهذه واحده من صور التوجيه الواضحة والمعروفة للمتابعين، حيث عمل رئيس هيئة البراعم والناشئين السابق على استغلال جماهيريته، ليكون محمود حاضراً في كل افتتاحات ساحات وميادين وإستادات ومهرجانات الناشئين، ومرة أخرى يتم غض الطرف عنه، لكنه يلاحق إن (قضى الغرض).
5 ـ منظمة شباب البلد: وهي بالمناسبة منظمة قيل أنها من أفكار محمود عبد العزيز، لكنها وبالصيغة السموألية هذه لا لون لها ولا طعم، تجمع العديد من الشخصيات (مجرد التجميع) دون أهداف واضحة، وقد حاولت وزارة الثقافة ـ الجهة الراعية لشباب البلد ـ أن تستفيد مرة أخرى ـ وليست أخيرة ـ من الفنان محمود عبد العزيز، وذلك للترويج للمنظمة عبر حفلات محمود الجماهيرية أو تلك الفعاليات التي تُقيمها وزارة الثقافة، وقد وقف محمود في نموذج حاسر للتوجيه وهو يقول لمعجبيه بالمسرح القومي عند افتتاح أماسي أم دُر الموسيقية ( إنتو قلتو في الحفلة الفاتت ـ يقصد حفل بنادي التنس ـ إنكم سجلتو ألفين، وهسع عايزينكم تسجلوا خمسه ألاف.. جاهزين؟ فردَّد الجمهور نعم، فعاد محمود ليخرج رقم هاتف من تحت كمامة جلبابه، ويقرأه على الحاضرين للتواصل والتسجيل في منظمة (شباب البلد) لكن كان مصير محمود والذين وقفوا وراء الفكرة الفشل الذريع، ذلك أن جمهور محمود مثله تماماً عصي القيادة في طريق لم يألفه.
أخيراً: محمود فنان يحتاجنا جميعاً
وأختم بكلمات قليلة لأقول أن المحبة التي لدى محمود في قلوب محبيه ليست من فراغ، أبحثوا عن أسبابها وستجدونها إن أخلصتم البحث والسير، وأرجو أن تتركوه في حاله فناناً ليطرب محبيه، ولن تُجدي أبداً محاولات سجنه وحبسه في قوالب جامدة، محمود وُلِد ليكون متحرراً، وإن كان من كلمة أقولها على رؤوس الأشهاد هنا أن محمود يحتاج لرعاية طبية يجب أن تتولاها الدولة في أعلى مستوياتها، لأنه يعد ثروة قومية بحق، والتفريط فيها هو تفريط في ثروة لن يكون البترول بديلاً عنها، لأن أقل الإيمان هو أن يجدوا محمود حين ينشدوه، ونجده حيث نحبه، وأرجو أن تكون الدعوة لكل محبيه وعشاقه للتفاكر في مسألة علاجه، فمرض محمود لا يحتاج لاعتراف منه، فهو بائن لا تخطئه العين المجردة ... ألا هل بلغت ... اللَّهم فاشهد.